لقد عمل عدد من الباحثين في ميدان السيكولسانيات والسوسيولولجيا و… وغيرها من العلوم على كشف النقاب عن حقائق الإنسان من خلال سلوكه الخارجي، وقد أخذنا نموذجا لذلك ظاهرة الكتابة على الجدران.
فاللغة تعد أهم وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع، و هي أخطر نعمة وهبها الله للإنسان فقد تستعمل للتصريح كما قد تستعمل للتضمين وهو الغالب، ولذلك كان القدماء يقولون: تكلم حتى أراك ،لأن اللغة تفضح ما نحاول أن نخفيه عن أنفسنا، واللغة حمّالة أوجه… وقد اتجه النقد الأدبي في توجهاته الحديثة إلى تجاوز التعليق على النصوص إلى البحث عن الدوافع النفسية والاجتماعية والتاريخية… التي ينبع منها الانتاج الأدبي سعيا لفهمه وتفسيره(المنهج التاريخي والاجتماعي والمنهج السيكولوجي) من خلال أثر اللغة.
إن تعاملنا مع الكتابات التي نشاهدها على جدران المؤسسات يجب أن يتجاوز مجرد تفكيك بسيط لما نشاهده على الجدران أو ما يكتب في الأماكن العمومية إلى مساءلة هذه النقوش والرسوم للبحث عن الرسائل التي يرغب الإنسان في نقلها إلى المخاطب( منتخبين، مسؤولين …).
إن هذه الكتابات ليست ضربا من ممارسة مزاجية، لا طائل من ورائها، أو محض نزوة عارضة، أو مجرد تزجية لجهد و وقت ذاتيين، إنها على العكس من هذا، فعل كتابي، تعبيري، و إيصالي دالّ أشد الدلالة وأبلغها، لذلك من اللازم الاهتمام بها بأوفى ما يمكن من الانتباه و الاعتناء و التأمل و التقرّي والاستخلاص.
إن اللجوء إلى الكتابة على الجدران، عادة ما يكون نتيجة دوافع وضغوطات يعيشها المواطن الذي يرفض أن تظل حبيسة دواخله، و ذلك عنادا منه إمّا لعامل المنع الذي تباشره، عادة، في هذه الحالة منظومات السلط المادية والرمزية: سياسية كانت أم إيديولوجية أم دينية أم أخلاقية أم ثقافية.. تجاه الذات الكاتبة أو الموضوع المكتوب، لذلك يعتمد الإنسان تقنية الاستتار، مستفيدا من عمومية مكان هذه الكتابة و مشاعيته، درءا منه لرقابة فعلية أومتوهمة، وتحاشيا لمنع تحقق الكتابة و المكتوب.
وغالبا ما نجد هذه الكتابات تعبر عن مظالم مرتبطة بالإدارة أو تصرفات المنتخبين … وعادة ما تكون سجلا للإخبار والبوح والعفة، أوالقذف والشتيمة والبذاءة التي شكلت حيطان والدروب… أرضيتها التدوينية.
وخلاصة القول : إن ظاهرة الكتابة على الجدران هي شكل من أشكال الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… وقد تطورت هذه الظاهرة بفضل انتشار استخدام الإنترنيت حيث أصبحت المدونات الإلكترونية تنافس الكتابة على الجدران إذ تم الانتقال من الجدار الواقعي إلى الجدار الافتراضي في الفيس بوك .
هذا وقد أثارت كتابات حائطية انتشرت على نطاق واسع بمجموعة من الأحياء الشعبية بمدينة تمسنا وسيدي يحيى زعير وحملت عبارات مسيئة لأحد المستشارين بمصلحة الرخص، حيث عمد صاحب أو أصحاب تلك الكتابات إلى سبّ المعني بلأمر بكلام نابي، وقد حيرت هذه الكتابات السلطات المحلية ومجلس جماعة سيدي يحي زعير، بالمقابل ويتحدث الرأي العام المحلي بالرفض لهذه السلوكات المشينة ، حيث تقوم الجهات المتورطة فيها ، بإختيار الأماكن البعيدة عن العيون وغياب الكاميرات من أجل خط العبارات التي تخص فقط المجلس الجماعي، وهذا يستدعي فتح تحقيق نزيه وشفاف حول الأسباب والدوافع، سيما أن المتسوقون من ثلاثاء سيدي يحي زعير تفاجئوا بها وكذا بمؤسسات تعليمية وأخري بالمقبرة، ويبقى دور الجهات المختصة في كشف ملبسات هذه الظاهرة الجديدة في المدينة من الأولويات.
